الفصل 469
تَمْتَدُّ قَاعَاتُ قَصْرِ الدُّوقِ أَمَامَهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ، مَأْلُوفَةً وَمُخْنِقَةً فِي آنٍ وَاحِدٍ. شَعَرَتْ بِثِقَلِ خُطُوَاتِهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ، وَجَسَدُهَا يَتَحَرَّكُ بِغَرِيزَةٍ حَتَّى وَإِنْ كَانَ عَقْلُهَا مُضْطَرِبًا. مَا زَالَتِ الْكَلِمَاتُ تَرِنُّ فِي جُمْجُمَتِهَا: “عَادَتِ السَّيِّدَةُ أَيْلِيَانَا… وَقَدْ شُفِيَتْ، عَلَى مَا يَبْدُو.” شُفِيَتْ. ضَغَطَتْ أَصَابِعُهَا عَلَى قُمَاشِ كُمِّهَا، وَغَرَزَتْ أَظَافِرُهَا فِي رَاحَةِ يَدِهَا. تَنَفَّسَتْ بِتَقَطُّعٍ، وَرَعْشَةٌ خَفِيفَةٌ تَسْرِي فِي عَمُودِهَا الْفِقْرِيِّ وَهِيَ تُكَافِحُ لِتَصْدِيقِ الْوَاقِعِ الْمَاثِلِ أَمَامَهَا. كَيْفَ؟ لِسَنَوَاتٍ – سَنَوَاتٍ – حَاوَلُوا كُلَّ شَيْءٍ. مُعَالِجِينَ. سَحَرَةً. تَعَاوِيذَ مَحْظُورَةً. إِكْسِيرَاتٍ نَادِرَةً. لَمْ يَنْجَحْ شَيْءٌ. وَمَعَ ذَلِكَ، الْآنَ، وَكَأَنَّ الْآلِهَةَ أَنْفُسَهُمْ قَرَّرُوا أَنْ يَسْخَرُوا مِنْهَا، عَادَتْ أَيْلِيَانَا – سَلِيمَةً، لَمْ يَمَسَّهَا مَرَضُهَا. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَنْطِقِيًّا. لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْطِقِيًّا. زَفَرَتْ مَادِلِينَا بِحِدَّةٍ، وَتَعَثَّرَتْ خُطُوَاتُهَا وَهِيَ تَنْعَطِفُ حَوْلَ زَاوِيَةٍ. كَانَ جَسَدُهَا مُتَوَتِّرًا، وَرَأْسُهَا يَنْبِضُ بِثِقَلِ الْأَفْكَارِ الَّتِي لَمْ تَجْرُؤْ عَلَى النُّطْقِ بِهَا عَلَنًا. لَقَدْ فُقِدَتْ أَيْلِيَانَا فِي الدَّوَّامَةِ. كَانَ يَجِبُ أَنْ تَمُوتَ. وَلَكِنَّهَا الْآنَ، قَدْ عَادَتْ، مُعَافَاةً بِمُعْجِزَةٍ، وَكَأَنَّ سَنَوَاتِ الْمُعَانَاةِ لَمْ تَحْدُثْ قَطُّ. وَكَأَنَّ كُلَّ تِلْكَ اللَّيَالِي الطَّوِيلَةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْيَأْسِ، قَدْ مُحِيَتْ فِي لَحْظَةٍ. شَعَرَتْ أَنَّ الْعَالَمَ خَاطِئٌ. ثُمَّ – الْمَزِيدُ مِنَ الْكَلِمَاتِ. مِنْ فَارِسَيْنِ يَمُرَّانِ فِي مُحَادَثَةٍ هَامِسَةٍ. “عَلَى مَا يَبْدُو، كَانَ مُغَامِرٌ يُدْعَى لُوكَا هُوَ مَنْ أَنْقَذَهَا…” اِنْقَطَعَ نَفَسُ مَادِلِينَا. “لَقَدْ تَقَبَّلَ الدُّوقُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ.” تَجَمَّدَ شَيْءٌ مَا بِدَاخِلِهَا. شَعَرَتْ أَنَّ الْهَوَاءَ فِي الْمَمَرِّ قَدْ أَصْبَحَ فَجْأَةً أَقَلَّ كَثَافَةً. اِنْدَفَعَتْ عَيْنَاهَا نَحْوَ الْمُتَحَدِّثَيْنِ، اللَّذَيْنِ لَمْ يَلْحَظَا وُجُودَهَا بَعْدُ.
اسْتَمْتِعْ بِمَزِيدٍ مِنَ الْمُحْتَوَى مِنْ إِمْبِرَاطُورِيَّةِ مَكْتَبَتِي الاِفْتِرَاضِيَّةِ”هَذَا الْمُغَامِرُ… أَيْنَ هُوَ؟” سَأَلَ أَحَدُ الْفُرْسَانِ. “آنِسَةُ مَادِلِينَا،” تَرَدَّدَ الْآخَرُ، “لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا الْمُغَامِرُ غُرْفَةً فِي الْجَنَاحِ الْغَرْبِيِّ…” تَلاشَتْ بَقِيَّةُ الْكَلِمَاتِ إِلَى هَدِيرٍ بَاهِتٍ حِينَ شَعَرَتْ مَادِلِينَا بِنَبْضِهَا يَتَسَارَعُ. تَسَابَقَ عَقْلُهَا، وَهُوَ يُرَتِّبُ الْمُسْتَحِيلَ. لُوكَا. اِرْتَجَفَتْ يَدَا مَادِلِينَا، وَلَكِنْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ، أَمْ عَدَمِ التَّصْدِيقِ، أَمْ شَيْءٍ أَكْثَرَ خُبْثًا، لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُحَدِّدَ بَعْدُ. ‘لُوكَا.’ خَرَجَ نَفَسُهَا أَكْثَرَ حِدَّةً، وَمَذَاقُ مَقَاطِعِ اسْمِهِ مُرًّا عَلَى لِسَانِهَا. لَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ الِاسْمَ. بِالطَّبْعِ فَعَلَتْ. لَقَدْ رَاقَبَتْهُ حِينَئِذٍ – رَاقَبَتْهُ وَهُوَ يُحَطِّمُ كُلَّ التَّوَقُّعَاتِ، وَهُوَ يَقِفُ أَمَامَهُمْ جَمِيعًا، شَاذًّا مُغَلَّفًا بِجِلْدِ مُغَامِرٍ مُجَرَّدٍ. لَقَدِ اِخْتَرَقَ. لَقَدْ كَانَتْ هُنَاكَ، وَاقِفَةً خَارِجَ ضَوْءِ الْمِشْعَلِ الْمُتَراقِصِ، شَاهِدَةً عَلَى اللَّحْظَةِ الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ تُعِيدَ كِتَابَةَ قَوَاعِدِ عَالَمِهِمْ. وَمَعَ ذَلِكَ… هَلْ كَانَ هُوَ؟ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُسْتَرْخِي بِشَكْلٍ لَا يُطَاقُ، وَالْمُزْعِجُ إِلَى حَدٍّ مَا؟ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَنْطِقِيًّا. لَا، لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْطِقِيًّا. خَفَقَ قَلْبُهَا وَهِيَ تَدُورُ بِحِدَّةٍ عَلَى عَقِبَيْهَا، وَتَتَسَارَعُ خُطُوَاتُهَا دُونَ تَفْكِيرٍ وَاعٍ. لَمْ يَكَدِ الْفَارِسَانِ يَنْتَهِيَانِ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهَا اِتَّخَذَتْ قَرَارَهَا بِالْفِعْلِ. ‘أَحْتَاجُ أَنْ أَرَاهُ.’ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خِيَارٌ آخَرُ. لَيْسَ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى إِجَابَاتٍ، وَلَيْسَ لِأَنَّ الْمَاضِيَ يَخْدِشُ دَوَاخِلَهَا كَوَحْشٍ مَسْعُورٍ – وَلَكِنْ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَقَائِقِ تَطْلُبُ الْمُوَاجَهَةَ. وَهَذَا؟ كَانَ هَذَا أَحَدَهَا. لَاحَ الْجَنَاحُ الْغَرْبِيُّ فِي الْأُفُقِ، وَقَاعَاتُهُ الشَّاهِقَةُ أَكْثَرُ هُدُوءًا مِنْ بَقِيَّةِ الْعَقَارِ. تَحَرَّكَتْ بِسُرْعَةٍ، وَنَبْضُهَا يَدُقُّ بِثَبَاتٍ عَلَى جُدْرَانِ حَلْقِهَا. لَقَدْ عَلِمَتْ بِالْفِعْلِ أَنَّ حَيَاتَهَا قَدِ اِنْتَهَتْ. اِسْتَقَرَّ ثِقَلُ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ فِي صَدْرِهَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْحَقْهَا. لَقَدْ تَصَالَحَتْ مَعَهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي اِتَّخَذَتْ فِيهَا قَرَارَهَا – فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي اِخْتَارَتْ فِيهَا الدُّوقِيَّةَ عَلَى نَفْسِهَا. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهَا أَيُّ نَدَمٍ. سَتَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. مِنْ أَجْلِ الدُّوقِ. مِنْ أَجْلِ كُلِّ مَا بَنَاهُ. اِنْقَبَضَتْ أَصَابِعُهَا بِإِحْكَامٍ أَكْبَرَ عَلَى أَكْمَامِهَا وَهِيَ تَقْتَرِبُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي وُجِّهَتْ إِلَيْهِ. عَادَتْ أَيْلِيَانَا. شُفِيَتْ. كَانَتْ خُطُوَاتُ مَادِلِينَا ثَابِتَةً، وَدَقِيقَةً. لَمْ يُضَيَّعْ لَحْظَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُسَاءْ مَوْضِعُ نَفَسٍ وَاحِدٍ. تَحَرَّكَتْ كَامْرَأَةٍ مَسْكُونَةٍ، كَشَخْصٍ قَرَّرَ مَسَارَهُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ جَسَدُهُ. وَمَعَ ذَلِكَ، تَضْطَرِبُ أَفْكَارُهَا تَحْتَ السَّطْحِ. لَقَدْ رَأَتْهُ مِنْ قَبْلُ. لَيْسَ شَخْصِيًّا، وَلَكِنْ مِنْ خِلَالِ الْأَدَاةِ – الْأَدَاةِ الَّتِي سَمَحَتْ لَهَا بِأَنْ تَشْهَدَ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا. عُيُونٌ سَوْدَاءُ. شَعْرٌ أَسْوَدُ. حُضُورٌ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَمِيَ إِلَى مُغَامِرٍ مُجَرَّدٍ. وَالْآنَ، تَقِفُ أَمَامَ بَابِهِ. تَرَدَّدَتْ يَدُهَا لِجُزْءٍ ضَئِيلٍ مِنَ الثَّانِيَةِ فَقَطْ قَبْلَ أَنْ تَطْرُقَ. ثَلَاثُ نَقَرَاتٍ حَادَّةٍ عَلَى الْخَشَبِ. تَرَدَّدَ الصَّدَى فِي الْمَمَرِّ الْهَادِئِ، تَذْكِيرًا صَارِخًا بِأَنَّهَا كَانَتْ هُنَا حَقًّا، وَاقِفَةً عَلَى عَتَبَةِ شَيْءٍ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسَمِّيَهُ بَعْدُ. ثُمَّ – حَرَكَةٌ مِنْ دَاخِلٍ. صَرَخَ الْبَابُ. وَهُنَاكَ كَانَ. لُوكَافِيُون. اِنْتَقَلَتْ عَيْنَاهُ السَّوْدَاوَانِ عَلَيْهَا، مُتَحَمِّسًا، مُقَيِّمًا. اِسْتَنَدَ بِاسْتِرْخَاءٍ عَلَى مَدْخَلِ الْبَابِ، وَيَدٌ وَاحِدَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى الْإِطَارِ كَمَا لَوْ كَانَ لَدَيْهِ كُلُّ الْوَقْتِ فِي الْعَالَمِ. كَانَ مِعْطَفُهُ مُرَتَّبًا قَلِيلًا، كَمَا لَوْ أَنَّهُ اِسْتَيْقَظَ مُنْذُ قَلِيلٍ مِنْ بَعْضِ الرَّاحَةِ الْهَادِئَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ – كَانَتْ نَظْرَتُهُ حَادَّةً. أَكْثَرَ حِدَّةً بِكَثِيرٍ مِنَ الِابْتِسَامَةِ الْمُتَكَلِّفَةِ الَّتِي اِنْحَنَتْ شَفَتَيْهِ. “هَم؟” كَانَ صَوْتُهُ نَاعِمًا، غَيْرَ مُتَسَرِّعٍ، مَمْزُوجًا بِمُجَرَّدِ لَمْحَةٍ طَفِيفَةٍ مِنَ الْمَرَحِ. ثُمَّ، تَعَمَّقَ ذَلِكَ الْمَرَحُ، وَاِشْتَعَلَتْ شَرَارَةٌ مِنَ الشَّرِّ وَرَاءَ نَظْرَتِهِ وَهُوَ يُمِيلُ رَأْسَهُ قَلِيلًا. “مَنْ هَذِهِ، أَتَسَاءَلُ؟” تَأَمَّلَ، وَالْكَلِمَاتُ تَتَقَاطَرُ بِفُضُولٍ مُزَيَّفٍ. ثُمَّ، دُونَ أَنْ يَفْقِدَ إِيقَاعَهُ، اِنْحَنَتْ شَفَتَاهُ إِلَى شَيْءٍ قَرِيبٍ بِخَطَرٍ مِنْ اِبْتِسَامَةٍ. “سَيِّدَةٌ تَطْرُقُ بَابَ شَابٍّ؟” كَانَتْ نَبْرَتُهُ خَفِيفَةً، مُدَاعِبَةً. “هَلْ أَنْتِ هُنَا لِتَدْمِيرِ سُمْعَتِكِ، أَمْ رُبَّمَا سُمْعَتِي؟” لَمَعَتْ عَيْنَاهُ السَّوْدَاوَانِ وَهُوَ يُرَاقِبُهَا، يَنْتَظِرُ – لَا، يَسْتَمْتِعُ – أَيَّ رَدِّ فِعْلٍ سَتُعْطِيهِ. اِسْتَنْشَقَتْ مَادِلِينَا بِحِدَّةٍ، وَحَافَظَتْ عَلَى تَعْبِيرِهَا مُدَرَّبًا عَلَى الْهُدُوءِ التَّامِّ. لَقَدْ تَعَامَلَتْ مَعَ مَا يَكْفِي مِنَ النُّبَلَاءِ فِي حَيَاتِهَا لِتُدْرِكَ مَتَى كَانَ أَحَدُهُمْ يَلْعَبُ مَعَهَا. هَذَا الرَّجُلُ – لُوكَافِيُون – كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالضَّبْطِ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ تَرْتَفِعْ إِلَى الطُّعْمِ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، اِنْحَنَتْ بِرَأْسِهَا قَلِيلًا، بِمَا يَكْفِي لِتَقْدِيرِ الْأَدَبِ دُونَ أَنْ تَفْقِدَ أَرْضِيَّتَهَا. “أَحْم… أَنَا مَادِلِينَا.” رَفَعَ لُوكَافِيُون حَاجِبًا، وَاِبْتِسَامَتُهُ ثَابِتَةٌ. لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَهُوَ يُرَاقِبُهَا فَقَطْ وَهِيَ تَرْفَعُ رَأْسَهَا مَرَّةً أُخْرَى. “أَنَا أَحَدُ رُؤَسَاءِ الْحَاضِرِينَ فِي الْقَصْرِ،” تَابَعَتْ، وَصَوْتُهَا مُتَزَنٌ، وَمُقَاسٌ. وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ حَدَثَ ذَلِكَ. وَمْضَةٌ. خَافِتَةٌ – خَافِتَةٌ جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّ الْعَيْنَ غَيْرَ الْمُدَرَّبَةِ كَانَتْ سَتَفْقِدُهَا تَمَامًا. وَلَكِنَّ مَادِلِينَا رَأَتْهَا. لَمَعَتْ عَيْنَاهُ السَّوْدَاوَانِ، وَتَحَوَّلَ شَيْءٌ مَا تَحْتَ السَّطْحِ. لَيْسَ مُفَاجَأَةً، لَيْسَ بِالضَّبْطِ. لَا – شَيْءٌ آخَرُ. شَيْءٌ أَكْثَرُ حِسَابًا. ‘مَا هَذَا؟’ اِنْقَبَضَتْ أَصَابِعُ مَادِلِينَا قَلِيلًا عَلَى قُمَاشِ كُمِّهَا. لَقَدْ قَضَتْ سَنَوَاتٍ فِي اِسْتِكْشَافِ تَعْقِيدَاتِ النَّبَالَةِ، وَتَعَلُّمِ قِرَاءَةِ أَدَقِّ الْعَلَامَاتِ فِي الْوَضْعِيَّةِ، وَالتَّنَفُّسِ، وَالصَّمْتِ. وَهَذَا؟ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَدَّ فِعْلِ رَجُلٍ يَلْتَقِي بِرَئِيسِ حَاضِرِينَ مُجَرَّدٍ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى. وَمَعَ ذَلِكَ، اِسْتَعَادَ لُوكَافِيُون عَافِيَتَهُ فِي لَحْظَةٍ، وَاِنْسَابَتْ اِبْتِسَامَتُهُ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلْقِرَاءَةِ. “وَمَا الَّذِي يَجْلِبُ أَحَدَ رُؤَسَاءِ الْحَاضِرِينَ الْمُوَقَّرِينَ إِلَى عَتَبَةِ بَابِي الْمُتَوَاضِعَةِ؟” سَأَلَ، وَصَوْتُهُ عَرَضِيٌّ، وَكَسُولٌ تَقْرِيبًا. “أُرِيدُ أَنْ أَتَحَدَّثَ مَعَكَ،” أَجَابَتْ مَادِلِينَا، وَهِيَ تُبْقِي نَظْرَتَهَا ثَابِتَةً عَلَيْهِ. “عَلَى اِنْفِرَادٍ.” أَمَالَ لُوكَافِيُون رَأْسَهُ قَلِيلًا، وَهُوَ يَدْرُسُهَا كَمَا لَوْ كَانَ يَزِنُ شَيْئًا غَيْرَ مَرْئِيٍّ. “لِمَاذَا؟” وَقْفَةٌ. لَمْ تُجِبْ مَادِلِينَا عَلَى الْفَوْرِ. لَمْ يَمُرَّ صَمْتُهَا دُونَ أَنْ يُلَاحَظَ. اِشْتَدَّتْ عَيْنَا لُوكَافِيُون السَّوْدَاوَانِ جُزْءًا ضَئِيلًا، وَتَحَوَّلَتِ اللَّمْعَةُ الْمُدَاعِبَةُ فِيهِمَا إِلَى شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدِّيَّةً. ثُمَّ، بَعْدَ لَحْظَةٍ، زَفَرَ بِخِفَّةٍ، وَهُوَ يَهُزُّ رَأْسَهُ كَمَا لَوْ كَانَ يَنْغَمِسُ فِي فُضُولٍ مُسْتَمِرٍّ بِشَكْلٍ خَاصٍّ. “حَسَنًا،” قَالَ، وَهُوَ يَتَنَحَّى جَانِبًا. “تَعَالِي.” دَخَلَتْ مَادِلِينَا إِلَى الدَّاخِلِ. كَانَتِ الْغُرْفَةُ مُتَوَاضِعَةً وَلَكِنَّهَا مُرِيحَةٌ، وَهِيَ غُرْفَةُ ضُيُوفٍ مُؤَقَّتَةٌ تَلِيقُ بِمُغَامِرٍ كَسَبَ بِطَرِيقَةٍ مَا ضِيَافَةَ الدُّوقِ. لَاحَظَتِ الْأَثَاثَ الْعَارِيَ – لَا شَيْءَ مُفْرِطًا، وَلَا شَيْءَ مُتَبَاهِيًا. عَمَلِيٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَ نَاقِصًا. فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي أُغْلِقَ فِيهَا الْبَابُ خَلْفَهَا، غَيَّرَتْ نَظْرَتَهَا بِدِقَّةٍ، وَهِيَ تَلْتَقِطُ لَمَحَاتٍ مِنْ لُوكَافِيُون مِنْ زَاوِيَةِ عَيْنِهَا. شَيْءٌ مَا… مُخْتَلِفٌ. كَانَ طَفِيفًا، وَغَيْرَ مَلْمُوسٍ تَقْرِيبًا، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَشْعُرُ بِهِ. تَغْيِيرٌ فِي هَالَتِهِ، وَثِقَلُ وُجُودِهِ فِي الْغُرْفَةِ. لَمْ يَكُنْ شَيْئًا فَظًّا كَالْقُوَّةِ – كَانَ أَدَقَّ مِنْ ذَلِكَ. نَوْعُ التَّحَوُّلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُسَمَّى بِسُهُولَةٍ. هَلْ كَانَ دَائِمًا هَكَذَا؟ أَمْ أَنَّهُ كَانَ مُجَرَّدَ تَشْوِيهٍ لِلذَّاكِرَةِ، وَنَتِيجَةً لِرُؤْيَتِهِ فَقَطْ مِنْ خِلَالِ الْأَدَاةِ؟ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَ بِالتَّأْكِيدِ. لُوكَافِيُون، مِنْ جَانِبِهِ، بَدَا مُرْتَاحًا تَمَامًا. أَشَارَ نَحْوَ الْكُرْسِيِّ الْمُقَابِلِ لَهُ بِضِيَافَةٍ لَا تَتَطَلَّبُ جُهْدًا. “اِجْلِسِي،” قَالَ، كَمَا لَوْ أَنَّهُمَا لَيْسَا أَكْثَرَ مِنْ مُعَارِفَ يَتَبَادَلَانِ الْمُجَامَلَاتِ. تَرَدَّدَتْ مَادِلِينَا لِلَحْظَةٍ قَبْلَ أَنْ تُنْزِلَ نَفْسَهَا عَلَى الْكُرْسِيِّ الْمُقَدَّمِ. لَقَدْ جَاءَتْ إِلَى هُنَا لِلْحُصُولِ عَلَى إِجَابَاتٍ، وَلَيْسَ لِتَضِيعَ فِي مُلَاحَظَاتٍ لَا مَعْنَى لَهَا. قَوَّمَتْ وَضْعِيَّتَهَا، وَطَوَتْ يَدَيْهَا بِتَرْتِيبٍ فِي حِجْرِهَا، قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ. “الشَّيْءُ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْهُ -“”إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ إِنْقَاذِي لِأَيْلِيَانَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟” قَطَعَ صَوْتُ لُوكَافِيُون الْهَوَاءَ، نَاعِمًا وَدَقِيقًا. تَصَلَّبَتْ مَادِلِينَا، وَالْكَلِمَاتُ تَضْرِبُ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى مِنْ جُمْلَتِهَا. ثُمَّ، كَمَا لَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا، أَمَالَ رَأْسَهُ قَلِيلًا، وَعَيْنَاهُ السَّوْدَاوَانِ تَلْمَعَانِ بِمَرَحٍ هَادِئٍ. “بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ،” تَأَمَّلَ، وَصَوْتُهُ أَخَفُّ، وَلَكِنْ لَيْسَ أَقَلَّ حِدَّةً، “كُنْتِ أَنْتِ مَنْ دَفَعَهَا.” —————— مُلَاحَظَةٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ ————– بَدَأَ فَصْلِي الدِّرَاسِيُّ الْجَدِيدُ الْيَوْمَ، وَكَانَ يَوْمًا جَحِيمِيًّا. آَمُلُ أَنْ تُعْجِبَكَ الْفُصُولُ.
حَسِّنْ تَجْرِبَتَكَ فِي الْقِرَاءَةِ بِإِزَالَةِ الْإِعْلَانَاتِ مُقَابِلَ مُجَرَّدِ
تم نشر الفصل على موقع riwayat-word.com
دُولَارٍ وَاحِدٍ!
إِزَالَةُ الْإِعْلَانَاتِ مُقَابِلَ دُولَارٍ وَاحِدٍ
معلومات عن الموقع
معلومات عن موقعنا
معلومات عن الموقع